الثلاثاء، 12 مايو 2015

لست وحدك - الحلقة الاولى 01

لست وحدك - الحلقة الاولى 01

بقلم: علي فارس Ali Faris Bein HD
انطلقت الرحلة وانطلقت معها مخاوفي، فبماذا سأخبر عائلتي؟ والى متى ستستمر غربتي عن أهلي ومدينتي؟ هذا كل ما كان بحوزتي من الأفكار السلبية، أما عن ذلك السيد منتفخ البطن فلم أكن لأملئ ما تبقى من مساحة في راسي بأمثاله.
    أليس صحيحا أننا نعيش في بلاد يسبح فيها الجميع في بحار تقع بين خطوط القانون ودوائر الحرية؟ إذن انأ كذلك قررت أن اكسر القانون بطريقتي، ولن يستطيع زير نساء عاجز عن الاستيقاظ بدون منشطات عن الانتقام مني لابنه المخنث المتشبه ببطلة سلسلة "بيتي القبيحة".
    لست متعودا على التفكير كثيرا مليَّا فيما حدث، ولا ما سيحدث، أنا أعيش دائما ما يحدث الآن، اللحظة، إنها أغلى ما يملك بشر.
    غير أنني اشرد كثيرا، وبلا سبب معيّن أجدني أفكر في تلك الأغنية التي سمعتها ذات مرة في الحافلة، في من غناها !ولمن؟ لماذا أدَّاها بتلك الطريقة وليس بتلك؟ ماذا كان يرتدي وقتها؟ والى أين كان سيذهب بعد الخروج من الأستوديو؟ أفكار كثيرة عن أشياء كثيرة أحدّث بها نفسي في واقع الأحلام الحلوة حتى لا تغرقني أحلام الواقع المرّ.
    لا احد يفهم معنى روعة الإحساس الذي يخالجك وأنت تتلألأ تحت الأضواء على خشبة المسرح القومي، بينما تتصافّ الجماهير العظيمة لتشاهدك تلعب دور البطل الأسطوري الذي يجلسه شعبه على العرش حبا منهم فيه، وطمعا في أن يصلح أحوال العباد، وينشر الخير والسلام في البلاد.
    لطالما كنت أحاول أن أعيش بهذا الإحساس في عالمي الخاص، ولا أتردد في لعب  دور البطولة في كل مرة تسمح لي ظروف الحياة بالمشاركة في ملاحمها، فانجرف وراء أحلامي وآفاقي بلا تردّد، ولا خيبة، ولا حتى أدنى تفكير في التالي، فقط انظر إلى هنالك، وأركّز على تلك النقطة التي أرسمها في كل بداية، وهي تشعًّ أمام ناظرَيَّ نورا وأملا، وتملأني حماسا وطمأنينة.
    أطمئن انأ للأضواء كلما اقتربت مني ولا ابخل عليها بتوقيعاتي وتحياتي، فلا أجمل ولا أندر من لحظة تبتسم فيها الدنيا لشخص.
    ربما ليست افعالي بهذا النبل والشهرة، لكنني بالتأكيد كنت استمتع بأداء أدواري، واصفق لنفسي كلما أدّيت دورا مهما في هذه الحياة.
   في أول صباح عشته في تلك المدينة الدافئة برحيق أزهارها، والعطرة بهدوء زقاقها، كنت أَكسّر ذاك الصمت الملتصق بتاريخ الطرقات، وأمسَح دموع الأزهار المشتاقة لأيادي العابثين.
    دخلت محلّ بقالة لأتبضّع الكلمات، فلم اعثر على سلعتي بين شفاه الزبائن ذوو الوجوه المصمّمة على العودة إلى كهوف الصمت، فور الحصول على أعواد الثقاب، ومناشف اليدين، كي لا تثور السيدات المنتظرات المستعدات لإعلان حرب النجوم.
    خرجت من المحلّ وأنا  أفتّش في موسوعة شرودي عن تاريخ إصدار ماركة عطري كلاسيكي ثوري كان يضعه احد الزبائن ، وكيف لمثل ذاك السيّد الصامت كإيوان كسرى ان يجرؤ على وضع عطر ملحمي... أوه لفتتني سيارة.
    سيارة متوقفة أمام محل البقالة البشع، قطعت عليّ إحدى أهم مناوراتي، لكن (معليش) "إنَّ أهمّ الفرص تأتي لتقطع أعمق لحظات التفكير".
    اهو الأمن عاد ليلَّم شمل الجزائريين بعد سنين الجمر والاحتراق؟ ففي هذا المكان بالضبط وقعت مجزرة دامية قبل عقد ونصف العقد من الزمن، أم هي الثقة العمياء أتت لتجر صمّا بكما عميانا لا زالوا على قيد (النية) إلى مخافر الشرطة ليشتكوا حسن بصائرهم؟  لقانون لا يحمي عمى أبصارهم، وضعف بديهتهم، ومدى حاجتهم لمن يحمي ضعفهم من بطش أعدائهم.
    قفزت إلى السيارة، أدرت المفتاح فاشتغل المحرك وتنهّدت العجلات بعد طول انتظار، وسارت السيارة بي إلى حيث لا اعرف بيتا ولا محطة. فتحت النوافذ ليغادرني الشعور بالوحدة والإحباط، وسمحت للموسيقى بالتغلغل إلى أعماق روحي علّها تقتلع جذور الخوف والحذر.
    لم أكن قد حصلت على رخصة السياقة بعد، فتعمَّدت تتبّع صراخات الأطفال التي تلوّن بياض الشوارع الشعبية، وتخربش في جدرانها المخضرّة أياديهم القادرة على صنع المعجزات بالرغم من ملائكية عقولهم، ونعومة أكفافهم، إنهم يتعمدون ارتداء ثوب الضحية ليستدرجوك حتى تنقذهم ثم يورطونك ويأخذوا منك ما يريدون بكل شيطانية وحسن تدبير، فلم يعد الأطفال في زماننا يرضون بثمن لشراء غزل البنات مقابل قبلة نسرقها من خدودهم المنكّهة برائحة الشمس والنسيم العليل.
    لقد دفعت مبلغا يعادل ثمن عشرة وحدات للهاتف النقال لطفلة صينية الملامح أغرتني بتقبيل وجنتيها الخوخيتين، ظنا مني أن هذا الأمر لازال حقا مشروعا لكل بالغ، لكنها طلبت مني تعويضا ماديا وإلا ستقوم بشكواي لوالديها، لم اشأ الدخول إلى عالم الشكاوي من جديد فدفعت ثم عدت إلى السارة وأكملت طريقي...
تتبع.... 
لست وحدك على الفيسبوك لست وحدك رواية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق